أنا عندي أرنبه ..

في أحد مدونات "جندل" أطلقت على مولودتها الجديدة صفة " سنجاب"، أضحكني التشبيه ولا شعوريا زممت أنفي تماما كما تفعل السناجب التي كنت انظر لها تسوح حديقة أشجار البلوط والبيكان في ضواحي "هيوستن"، او على جذع ما في نيويورك، ناهيك عن عشرات الرسوم المتحركة التي التصقنا بشاشات عرضها ونحن صغار. لا بأس من تشبيه المواليد الصغار بالفئران والسناجب والهامسترز لان هذه الفصيلة من الحيوانات وعلى الرغم من قراراتها غير الصائبة أحيانا في اسلوب حياتها إلا أنها لا تخلوا من لطافة الملامح وكيوتية الأشابيه.

في غرفة الولادة في مستشفى رويال حياة أغرق في عرق الألم، تلك الانقباضات التي يسمونها الطلق تطلق داخلي رصاصات جزع من نوع خاص. أوصف الاضطراب الذي يحدث داخلي لزوجي علّه يتخيل ما أمر به كل 20 دقيقة ولمدة العشر ثواني الى خمس عشرة !
(( وكأن الجزء السفلي من جسدي في طور احماءة مضنية للانفجار.. للإنعتاق من الجزء العلوي الى الأبد ))
هكذا وصفت الألم، ولكن النتيجة النهائية لم تكن عُشر قريبة من الواقع الذي أعيشه على سرير الانتظار. يأتي دكتور التخدير ويعطيني جرعة الأمل الوحيدة، قلت لوالدتي يوما:

(( ابرة الظهر رحمة من الله .. اذا كانت فترة طلقي أكثر من 4 ساعات سأستخدم الإبرة .. والحافظ الله ))
ستمتد فترة الطلق لأكثر من خمس ساعات، وإبرة الظهر او ما يسمى Epidural حتمية واقعة. تأتي رحمة الله على شكل دكتور مصري أصلع .. لا ادري لماذا أثق أكثر بالأطباء الذين تعلوا رؤوسهم علامة التفكير والحكمة! بين فقرتين من العامود الفقري يغرس إبرة. أشعر بضغط الأعصاب على بعضها، أعض على شفتي وأدعو ربي السلامة وأتحمل الألم اللحظي ليختفي بعدها الألم الذي سيتمد ساعات. عشر دقائق، يأخذ الدكتور بعضه ويذهب وإنا احس بتنميل لذيذ في أصابع قدمي .. ثم لا أشعر أبدا بالطلق ولا المخاض ولا الانقباضات ولا كل الأسماء التي من الممكن أن تطلق على أعتى ألم طبيعي عرفته البشرية منذ نشأتها.

أنا والفراش وغرفة الولادة وزوجي الجالس على الأريكة بجانبي .. أغفو واستقيض على صوت الممرضة المصرية "هنا" .. تفاءلت من الاسم. قالت لي أن الولادة قريبة وأنني بعد ساعة او أكثر بقليل سأقابل ابنتي الثانية. ابتسمت .. ومن التعب قررت أن أغفو من جديد.

اصحوا على صوت زوجي يخبرني انه حجز لي غرفة رقم 310 .. ابتسم وأتفاءل أكثر لان رقم غرفتي – مصادفة – جاء مطابقا ليوم وشهر عيد ميلادي. أخبره بالملاحظة فيبتسم .. وابتسم.

ساعة الحقيقة .. المخاض والانقباضات والدكتورة وصلت! أدعية تنبع من جوفي وجزع يضاعف من دقات قلبي .. وصورة طفلتي الجديدة هاجس يستولي علي ويضع في حلقي الجاف حلاوة استثنائية. اضغط على روحي، اعتصرها ما ان تخبرني طبيبتي أنني يجب ان ادفع الحياة خارجي. اضغط أكثر واصرخ في داخلي لأخرجها الى جوف الهواء. أشعر بها .. برأسها .. بدفء الأمومة الذي يسطع كالشمس في لحظة سحرية في عيني. أحسها تخرج فتلقيها الدكتورة على صدري، رمادية بالكاد تستنشق هواءها الأول وتخرج من انفها بقايا سوائل عاشت بها طويلا.

كانت ابنتي جميلة، شفتاها حمراوتان وعيناها مفتوحتان تحدقان بعيني التي احتشدت الدموع بها، نادت الدكتورة زوجي، رآنا انا وهي نبكي فلم يتمالك نفسه هو الآخر فبكى معنا! أخذوها الى ما وراء الحجاب فمسك يدي وأخبرني بكل شيء في صدره بلا .. كلمات.

تدفعني الممرضات على عجلات سرير الى غرفتي التي ينتظرني فيها الجميع .. ولا ادري لماذا .. بدأت اغني وانا أضم ابنتي الى صدري في رحلة الطوابق تلك:
(( آنا عندي ارنبة .. جميلة حلوة مأدبة ..))

*

*

*

شكرا لكل من دعى لي في قلبه .. في تعليقه .. او في لحظة تذكرني فيها وفقط اراد ان يتمنى لي خيرا.