دائرة مفرغة !!

(1)
طرقات قوية وسريعة على الباب .. أمي لا تفتح ..
في وسط الصالة وبين الأريكة الطويلة والكرسي الجلدي، على السجادة الملونة نجلس انا وأخي ..
قالت لنا امي ان نضع ايدينا على آذاننا ونغني ..
" سميرة بنت الشلبي .. قاعدة على المهلبي .. تقرا كتاب العربي .... "
حاولت أن أغني ولكن الطرقات تشتد فتطير كلمات الأغنية التي تعلمتها من صديقاتي في المدرسة من رأسي ..
ماما تجري في ارجاء المكان وأخي الصغير يبكي ..
تشتد الطرقات وتتحول الى صدمات .. جسد أبي يبتعد ويصطدم بالباب بلا هوادة .. يترنح الباب وترتج معه قلوبنا!
تحملنا أمي بكلتا يداها، أحس بدموعها على رقبتي، وقبضة يدها المهزوزة تكاد تفلتني .. تصل الى غرفتنا وتدفعنا داخل خزانتنا، تجري الى سريري أولا ثم الى سرير أخي ..
تأخذ كتابي ودبدوبه القطني وتلقيهم في الخزانة .. معنا، تتكلم بسرعة لم اعهدها، صوتها يكاد لا يسمع من خلف الدموع ..
" لا تطلعون من الكبت .. فاهمتني .. !!"
تقفل باب الخزانة علينا، أضم كتابي الى صدري، ويعلك أخي ذيل دبدوبه !!
أسمع صوت أبي وقد اقترب، اضم كتابي أكثر، الصقه بصدري ..
أسمع صوت أبي يصرخ، وصوت أمي تهاوده تارة وتصرخ بوجهه تارة أخرى .. أبكي ..
يرى أخي الدموع في عيني فيبكي هو الآخر ..
أسمع صوت ضرب، وأمي تصرخ من الألم، دفعها فأسقطها تحت رجليه، اسمع صوت ارتطام جسدها على الأرض .. يركلها برجله وهي تصرخ وتتألم .. يحمل شيئا ليلقيه عليها .. واسمعها ترجوه وتسترحم!!
أكاد اختنق من الهلع داخل الخزانة، اترك كتابي واضم أخي ..
يعتصرني، ويدس انفه في صدري وبين شعري .. لا يكاد يهمد، يرتجف مثل العلم في ساحة مدرستنا ..
يتوقف صراخ أبي، ولا صوت يسمع لأمي ..
تنفك عقدة الخوف بيني وبين اخي ..
في الظلام ينظرداخل عيني بنظرة انكسار ..
" نورة .. آنا آثف "
" على شنو عبّود !؟
يطرق برأسه وينظر بين فخذيه، خرير طفولته شلالا من دموع صفراء خرجت دون ارادته ..
بقعة حادت على ملابسي ..
ارفع رأسه .. وأقبل عينيه وأضمه لنغرق في البقعة معا ..


(2)
في المستشفى وأمي ترقد على سرير ابيض ..
تقول لي خالتي أنني فتاة قوية ساعدت أمي كثيرا في محنتها!
اطرق برأسي وأحاول أن أسأل ..
لا تخرج الكلمات لإن الدموع أكلتها.
جاء جدّي، حملني في ذراعه القوية، تمنيت لو كان معنا، لوقف خلف الباب فلا يستطيع أبي أن يكسره .. لما استطاع ان يدخل!
أخذني الى البقالة القريبة من المستشفى، في السيارة سألني ..
" نورة .. جم مرّة شفتي بابا معصب جذي ؟؟"
جاوبت بسرعة ..
" وايد!"
" كم مرّة شفتيه يطق ماما ؟؟"
" ولا مرّة "
التفت جدّي ونظر في عيني، عيناه كبيرة وحمراء، وحاجباه اشعثان ..
" نورة .. انتِ وعدتيني ذاك اليوم أنج ما تجذبين!"
" صح"
" عيل ليش ما تقوليلي كم مرة شفتي بابا يطق ماما ؟"
" ولا مرّة بابا عود .. والله العظيم ولا مرّة"
أوقف السيارة، وغرس عينه في عيناي ..
" بس ماما في المستشفى !"
جاوبت بكل صراحة ..
" وآنا وعبّود كنّا في الكبت، امي تحطنا في الكبت .. ما شفته يطقها، بس سمعته وايد مرّات"
عيناي لازالت بعينا جدّي .. انظر اليه بصفاء الدنيا لإنني أعلم أنه لا يضربني ولا يضرب ماما ..
ولا أعلم لماذا .. تركني جدّي في السيارة لوحدي ..
وقف خلفها .. ووضع طرف غترت على عينيه .. وتقرفص بوسط الشارع ..
ينتحب ..


(3)
عند باب المدرسة انتظر بابا عود يأخذني !
الجو حار وعربة الآيس كريم لم تأتي بعد .. أقول لصديقتي أن بابا عود سيأتي، ويرسل عبّود ليناديني ومعه ربع دينار .. نشتري انا وهو آيس كريم ونجري نحو سيارته كل يوم ..
تسألني ..
" كل يوم؟؟"
و أرد بفخر ..
" كل يوم "
تزفر ..
" يا حظج .."
أطمأنها ..
" لا تخافين .. أقول له يعطينا ثلثمية فلس عشان تشترين معانا آيس كريم"
تتهلل أساريرها، وتشكرني .. تعصر عيناها في وجه الشمس خلفي، وتشير باصبعها الى شيء ورائي ..
التفت .. وأجري نحوه ..
" بابا "
يتلقفني من الأرض ويحملني عاليا، يديرني في الهواء فتتبخر حبات العرق من فروة رأسي وأشعر بالإنتعاش ..
يسألني ..
" تبين برّد؟"
تقفز صديقتي من مكانها .. أرى في عينيها شوق، أتردد .. ثم أجزم ..
" لا "
ينزلني على الأرض، ويمسك يدي ويمشي معي خلف سور المدرسة ..
" نورة حبيبتي .. بعطيج امانة توصلينها حق ماما .. اتفقنا ؟"
" انزين!"
" بس هذي الأمانة سحرية، لازم ما يشوفها أحد .. اذا شافوها .. تضيع من ايديج، تختفي"
أسأل بحماس ..
" صج؟"
" طبعا صج "
" اوكي"
يخرج من جيبه ظرف، طواه طويتين .. أغلقة بإحكام، اعطاني الظرف وأخبرني ان لا افتحه ولا اريه لأي مخلوق حتى لو كان بابا عود. سيختفي ان اخبرت أحدا بأمره. فقط ماما تستطيع قراءته .. تركني اذهب، اجري بعيدا عنه وقد دسست الظرف في جيبي ..
في السيارة لم افتح فمي لإنني كنت مشغولة بأكل الآيس كريم فنسيت الظرف ..
لمح أخي سيارة بابا فأشار نحوها، كان يريد ان يقول شيئا.. ولكنه الآخر كان مشغولا بالآيس كريم!


(4)
استيقضت على صوت جدّي يصرخ بوجه أمي ..
" انت مينونة .. بتضيعين نفسج وتضيعين عيالج!!"
هي تبكي وتتكلم بصوت خافت ..
لم اعد اسمع ماذا تقول لإنه أخذها الى الطابق السفلي، تثاءبت ورجعت مرّة أخرى اسمع حكايا مخدتي ..
المح عينا عبّود تلمع في الظلام .. اسأله
" عبّود .. انت قاعد؟"
" ايي"
"ليش ما تنام؟"
" حلمت حلم يخوع!!"
" شنو؟"
" ما ادري .. ما اتذكر"
صمت .. ثم قال ..
" تثبحين على خير"
" وانت من اهله ..!"


(5)
في العيد رجعنا لمنزلنا ..
كان نظيفا جميلا بأثاث جديد، اشترى لي والدي شراشف وردية بصور باربي، واشترى لعبّود شراشف سبايدر مان..
فرحتنا كبيرة لإن أمي كانت سعيدة ..
بحضنه طوال اليوم، يشاهدان التلفاز على نفس الأريكة الطويلة، تلتصق اجسادهم ببعضها وتتشابك ايديهم ..
يضمها بحنان ويقبل جبينها بين حين وآخر ..
بدت في غاية السعادة ..
شهرين وانتهى موضوع قبل الرأس وتشابك الأيدي ..
ثلاث شهور ..
وعدنا أنا وعبّود في خزانة ملابسنا !!


(6)
طرقات ثقيلة على الباب ..
شتائم تتطاير من جوف موبوء .. كلمات غاية في القذارة !!
اقفل باب الغرفة بالمفتاح، واضع السرير خلفه ..
أدخل في خزانة الملابس أنا وابنتي الصغيرة ..
أضمها الى صدري ..
وانتحب!

تعليقات

‏قال esTeKaNa
صباح الدوائر المفرغه
!!
رغم أن تلك الدوائر مؤلمه قاسية تترك ندوبه على جبهتنا عمرا الا انا تجعلنا في أحيان كثيرة اكثر قوة وواقعية!
بابا عود..
ذكرني برجل ذو ملامح طيبة جدا صديق لوالدي الحبيب،حين قال لأبي يوما:
نحسب ان زواج بناتنا قمة فرحتنا،بعد سنين من تعبنا فيهم نسلمهم بيدنا لرجل غريب،كما نسلم الأمانة
ونكتشف بعد زمن ان لحظة انكسار لابنتك على يد هذا الرجل قد تكسرك باقي العمر كله!
‏قال الزين
آآآآآه

المرأة في مجتمعنا جناح مكسور صعب ان يحلق وحيدا

البعض يرضى ان يكون مكملا لجناح اعوج

للأسف

مسكينه هي
ظلمت نفسها معه
والألعن ظلمت اطفالها


آلمتني القصة يا سبمبوت
جدا آلمتني
‏قال Alia…
حسبي الله ونعم الوكيل على الظالم

(( من سوا .. سوي به )) .. مثل ينقال ويعني على الباغي تدور الدوائر ... مثل ما ظلم بنت الناس ربي حط في طريج بنته المسكينه واحد من طقته... مسكينة طفوله تعيسه وشباب اتعس على الاقل امها كان عندها ابو سنع و حنون بس اهي منو سندها ما غير ابو نذل وام ضعيفه مسلوبة الارادة ضيعت حقوقها و حقوق عيالها

مشكووورة معاني هالقصه وايد عميقه
‏قال ReLaaaX
ليش :/

عورتني قلوبنا على هالقصه :/
‏قال Corpse Bride
:(

عوار قلب ..

بس هذا الي اقدر اقوله...
‏قال Sweet Revenge
سبمبوت احب النهايات السعيدة هذي القصة نهايتها مو سعيدة :(
بس للاسف واقع للبعض
اتمني يغيرون هالواقع بايديهم وماينتظرون احد

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

" غدّونة" تذهب للمدرسة !

أنا عندي أرنبه ..