صباح البلو بيري مفن..!!



نتقابل أنا وهي كل صباح .. تتصادم نظراتنا بقرب الجدار، ترتد على نفسها ثم تلتفت كل واحدة منّا على الأخرى.
تنشأ دون ان نعلم ابتسامة بيننا .. صامتة ومؤدبة.

على ذراع واحد من الكافيهات التي تمد السنتها الحمراء على دروازة العبدالرزاق، تحيطها البنوك والبورصة حيث كل ما في المنطقة يوحي بالجدية. يخيل للمار في حلقوم الشارع الطويل انه حتما يشم رائحة اكداس المال المكومة في خزينات البنوك!

في الصباح تصحو المنطقة من سباتها تتمطّى نومها المتقلّب على الأرقام الحسابات ..
وفي الصباح الباكر ايضا تفتح الكافيهات أبوابها للبانكرز والبروكرز القادمين من بيوتهم بكعوبهم العالية وشنطهم الجلدية الفاخرة.
او بغترهم المنشّاة وبدلهم التي تتدلى منها كرفتات ملونّة.

أوقف سيارتي على ناصية الطريق، أصفر وأسود ولكن لا يهم!
اعلم ان الوقت مبكّر وعيون الشرطة لازالت في نعاس. توقف سيارتها هي الأخرى أمامي ..
هذه المرّة الثالثة هذا الاسبوع نتقابل أنا وهي على بقايا جوع من الليلة البائدة، ورغبة جامحة بفنجان قهوة وكعكة محلاّة.

اترجل من السيارة وتنزل هي ..
ابتسم لها كالعادة واخطف نظرة سريعة على حقيبة يدها .. ((ايف سانت لوران)) الجديدة ذات الألوان الباستيل الرائعة.
رأيتها في نافذة المحل وسمتها .. وعرفت أن ثمنها 800 دينار!
عضضت على شفتي وقلت لنفسي أنني في اليوم الذي اتمكن فيه من شراء هذه الحقيبة بهذا الثمن سأعرف " آي ميد إت بيغ".

بداخلي فرحت لها .. تستاهل!
فهي امرأة متوسطة العمر ربما في نهاية الأربعينيات ..
امرأة بمنتهى الأناقة والرقي، لابد وانها تشغل منصبا كبيرا في واحدة من هذه المباني المكتبية الشاهقة.
كم أحب المرأة الطموحة، تشعرني بفخر له طعم خاص نابع من تاريخي الذي بدأ بأكبر امرأة تصاعديا من سلاسة جدتي.
تلك التي لم اعرفها، ولكني أعرف انها عاشت حياة طويلة في فهم خاطئ لأنوثتها وتهميش صارخ لعقلها وإرادتها.

على الكاونتر أتقدم عنها وأطلب مشروبي المثلج وبلو بيري مفن. انتهي ..
وتطلب هي قهوة كبيرة "تو غو" وبلو بيري مفن!
احببتها أكثر .. على الأقل هناك شيء مشترك بيننا غير ذوقنا في حقائب ايف سانت لوران ..
كلا صباحاتنا على علاقة وثيقة مع البلو بيري!!

أخذت كل واحدة كنّا افطارها في كيس من الورق البنّي وخرجت أسبقها، التقت نظرتنا عند الباب وابتسمنا من جديد..
ارفع رجلي لأدخل سيارتي فأسمع صوتها عاليا ..
التفت .. فأجدها "ناشبة في بلعوم" رجل هندي كان مسنودا على حائط الكافيه ..
أتبين الوضع أكثر، ارهف اذني وأحاول استيعاب المشكلة:

(( هذا عيب .. قلة أدب انت واقف هني عيون مال انت على البنت!! لمّا ييجي بنية تمر جدامك، انت صير مهترم ولا يشوفها من ورا .. رجال مهترم يخاف الله يحط عيونة بالأرض وما يخز البنات .. هاذي مثل بنتك .. لازم ما يفتح حلجك ويشوف قفاها جذي .. مو زين!! ترى اذا اشوفك يسوّي جذي مرّة ثانية آنا ينادي شرطة ))

رفرفت داخلي حمامة بيضاء على الرغم من طرافة الحوار ..!
أحسست بدفئ الأرض يلفني بعباءة من غاريّة حميدة ..عباءة أمي أو جدتي السوداء المخضبة برائحة المسك الأبيض وبودرة التلك حضنتني بقوة وقالت "ترى وراج ظهر".

تلك المرأة التي يقع مكتبها في الأدوارالشاهقة تدافع عنّي ..
عن جسدي المنتهك تحت وطئة عيون لا تعترف بالحدود، ولا تعرف تلك الخطوط الحمراء التي تفرضها أصول الأدب وقواعد الإحترام. هي تدافع عن حقّي في المشي نظيفة بلا رغبات قذرة تلتصق على ظهري، ولا خيالات دنيئة أكون بطلتها رغما عنّي، يحترفها رجل يعيش ببالوعتة الخاصة .. موبوءة ونتنة!

دخلت سيارتها .. والتقت عينانا للمرّة الأخيرة في ذلك الصباح .. قلت لها بقلبي شكرا .. فابتسمت وقالت لي يدها وداعا ..

التفت على الرجل المسنود على الجدار، فإذا به قد اختفى الى الأبد!
ربما بات يعلم أن في هذه الساعة من كل صباح ..
هناك امرأة أنيقة جدا .. وراقية جدا، لن تهتم ببرستيج منصبها ..
ولن تتأخر ثانية عن ايقافه وجها مقلوبا مقابل الحائط، ويدا مرفوعة الى للأعلى .. لكي يتعلم درسا في أصول الأدب.

تعليقات

‏قال chandal/danchal!!
صباح الكاريبو

:)

أشترك معاكم بالبلو بيري مفن والقهوة ونهر العامل بو عيون يندب فيها رصاصة.... الله ياجرها ويباركلها بكل امورها

والله حتى لو اتعمعمين من فوق لي تحت وتلبسين سوادة... ما راح تفتكين من عيونهم


وصباح التقاطعات وريبابلك وسوق دعيج وشركة وربة للتأمين

:)
‏قال غير معرف…
love it!
‏قال Corpse Bride
صباح البلو بيري مفن..

شي حلو واحساس رائع لما نشوف بعينا ان الدنيا لي الحين بخير..

لو خليت خربت..والحمدلله ما خلصو..
‏قال Sweet Revenge
تبرد القلب والله ,الله يعطيها العافية
ويكثر من امثالها
‏قال Yin مدام
صباح البلوبيري كل شي

الرائع ظنك بها ونظرتك لها
الأروع أنه لم يخيب

:)
‏قال سبمبوت
Chandal/danchal

شكلج انتي بعد من قاطنات دروازة العبدالرزاق صباحا .. تصدقين .. احس كلنا هناك نملك نظرة خاصة للصباح!

توافقيني؟

********

غير معرف

Loved that you loved it :)

*********


cropse bride


فعلا الدنيا لما الحين بخير ..



********


sweet revenge

اصبحت لا اتردد من الدفاع عن البنات الأصغر مني من العيون المتطفلة .. اصبح الأمر يعطيني شعور بالقوة.

*********

مدام yin


دائما ما أحمل ظن الخير داخلي، حتى عندما أصادف هؤلاء الناس الذين يفضلون ظن السوء فيني قبل ان يعرفوني.. شعور يعطيني أمان مع نفسي ومع من حولي.
‏قال Alia…
أي يا حلو هالمكان كنت أمر من خلاله كل صبح وساعات نطلع من الدوام نتريق في الكافيهات الي هناك خصوصا سكند كب ... أنا كنت اشتغل في وزارة التخطيط فتقريبا اقدر اعتبر نفسي جارتكم :)
‏قال بدون تعليق
رهيبة انتي .. اخاف اقرا لج مادري ليش : )

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

" غدّونة" تذهب للمدرسة !

أنا عندي أرنبه ..