كأس ماء باااااااارد !



عند الدوّة ..
تأخذ المنقاش وتلعب بالرماد.. تحب شكل الرمل ذو اللون المختلف، يتطاير مع كل نسمة هواء..
طفلة صغيرة تقف بجانبها وتنظر للوهج .. برتقالي .. مدهش ومثير.
حركّت نورة المنقاش بسرعة فتطايرت كمية أكبر من الرماد ودخل بعضه في عيني الصغيرة بجانبها ..

صرخت الطفلة وسقطت للوراء ..
تتنبه الأمهات في الجانب الآخر من الصالة الكبيرة، تجري أم الطفلة لإبنتها، تنتشلها من على الأرض وتطير فيها الى الحنفية لتغسل عينيها ..
وتصرخ أم نورة من على مقعدها:
" نورو هدّي المنقاش وتعالي .."
تتجاهل الطفلة عبارة والدتها لبرهة وتكمل اللعب بالرماد ..

ثانية ثم نداء آخر يقابله عناد. تنتفض نورة عندما تسمع صرخة حديدية مرعبة من حنجرة أمها ..
لا مجال للعناد .. تركت المنقاش، واستدارت، نظرة واحدة لوجه امها غيّر تركيبة ملامحها ..
تعلم أنها الآن في مشكلة !
أصابع والدتها تلوك غضروف اذنها بلا رحمة .. وهي تبكي بحرقة ..

تسألها والدتها ان كانت نادمة على ما فعلت؟ تعيد عليها السؤال وتستجدي الإعتراف ..
كم تود الكلام والتأسف والندم .. ولكنها تبكي كثيرا ولا تستطيع النطق بأي شيء..
تتحرر اذنها .. وتخبرها والدتها أن تذهب للغرفة (Time Out ) لمدّة خمس دقائق ..
" ما تطلعين .. ولا تكلمين أحد إلا لمّا تخلص الخمس دقايق".
تأخذ بعضها، حزينة باكية منكسرة محرجة من الصالة .. الى غرفة العقاب.

جالس هو في الجانب البعيد من الغرفة هو، يشاهد الموقف ويعض على شفتيه ..
يكاد قلبه يتفطّر من حزنه عليها، بدا تنفسه أسرع، وقطرة عرق نزلت من رأسه على ظهره ..

أحس بها وتجاهلها، ليته يستطيع فعل شيء.
ذهب للمطبخ المجاور، ملئ كأس بماء بارد، انتظر اللحظة التي تعود فيها الأمهات لحوار يشغلهن. .

وبلحظة زلق نحو باب الغرفة، فتحه ودخل .. وأغلق الباب خلفه.
على السرير جلست نورة، لازالت عيناها حمراوان .. تنشق كل خمس ثوان نهايات الألم وانسحابات البكاء ..
أقفل الباب، وتقدّم نحوها وأعطاها الكأس بلا كلام .. أخذته وشربت.
جلس بجانبها .. وصمت. وضعت الكأس على الطاولة فأمسك يدها ومسح على شعرها .. ابتسمت
" ما تخاف أمي تشوفك هني .. ترى راح تزفك؟"
قال:
"عادي .. "
"صج؟"
" والله .. آنا متعود على الزف"
ابتسمت .. وهو دون أن يشعر طوقها بيده، وجلسا جنبا لجنب كصديقين حميمين في زنزانة اعتقال الصغار.

كبرت نورة لوالدين مطلقين .. وكبر بندر لوالدين مطلقين ايضا ..
تعاطف الست سنين ذاك تحوّل مع الأيام الى صداقة متينة وعلاقة إخاء ..
منذ صغره كان يراها نسخة شبيهة لظروفه، لم يكن يدري ما الذي يجعله دوما في صفها في ساحات اللعب وعلى طاولة الطعام.

ولكنه كان يعلم أن هناك رابط ما، شيئا كبيرا مشتركا بينه وبينها. .
ربمّا هو الحرمان، الألم، او ربما تلك التصرفات الطائشة التي كانت دائما تسفر عن قرصة اذن، صفعة او تايم آوت.

مرحلة المراهقة كانت مختلفة ..

نورة كبرت و"ماقت" مثلما أمه كانت دائما تعلق عليها .. طالت نورة وأصبح شعرها طويل جدا.
ملابسها دوما جميلة .. ودائما تضع لونا لامعا على شفتيها..
لم يفهم لماذا .. ولكنه يحبها على الرغم من أنه لا يحب شكلها الجديد ..!
توقفت عن اللعب معهم بالكرة والدرّاجات .. وآثرت تلك الألعاب مع الفتيات بالغرف المغلقة على شكل بيوت، والدمى الصغيرة والماكياج. تغيرت عليه كثيرا ..

ولكنه لازال يحبها.

شبوبيتهم كانت مترامية ..

يراها في نهاية الأسبوع في بيت الجدّة، جميلة ولكنها بعيدة جدا.
تزوجت والدتها وتطلقت للمرة الثانية. والدته لم تتزوج .. تقول أنه هو الآن رجلها ولا تحتاج لرجل آخر.
أكسبه ذلك ثقة كبيرة بنفسه واحساسا بالمسؤولية اتجاه أمه. فغدى تحت رجليها، بارا ومطيع ..
لم يعارض يوما فكرة زواج امّه .. ولكنه كان دائما يصر على التأني قبل الموافقة على أي رجل يتقدم لها ..

قال لها انه لا يريد أن يراها حزينة من جديد ..

في جامعتين منفصلتين درسا، ولكن الكويت صغيرة والكلام يسوح الآذان.

تعرفت نورة على شاب من عائلة كبيرة، أحبته ملئ قلبها وخرجت معه في مواعيد كثيرة. اماكن عامّة في الغالب.
يتكلم عنها الشباب بسوء في حضرته. لم يكن يفصح عن قرابته بها .. ولم يشاركهم يوما الحديث .. يجلس صامتا يستمع.
في الخفاء يلهج صدره بضربات قلبه بالكاد يستطيع اخفائها، يتفطر قلبه حزنا عليها وغضبا منها، وقطرة عرق حارّة تنزل من رأسه على ظهره يحس بمسيرتها .. ويتجاهلها.
لم يخبر والدته .. ولم يخبر والدتها ..

كان من المؤمنين بالحرية الشخصية، والتعلم من الأخطاء. ولكنه حررها بينه وبين نفسه من كل الوعود التي يوم تبادلتها معه.
((أنها لن تكون يوما سهلة مثل والدتها، وانها لن تتزوج شخصا مثل والدها!))

في بيت الجدّة الكبير يجتمع الأخوال والخالات في صباح يوم عمل!

تتصل به أمه باكرا في الصباح وتأمره أن يحظر بيت الجدّة حالا. يطير الى هناك.
يتكلم الخال الكبير:
" شتعرف عن نورة؟"
بلع ريقه ..
"شتقصد خالي؟"
صرخ الخال بعصبية:
" بنت خالتك سيرتها على كل لسان في الجامعة .. وانت تسألني شتقصد خالي؟"
أوقف اهتزاز رجليه بيديه:
" شصاير؟"
تكلمت والدته بحنان:
" نورة يمّة .. أبوها شافها بسيارة واحد أمس .. وقفهم بنص الشارع وطقها جدّام الأوادم .."
تكلم الخال:
" يقول أن البنت صايعة وأمها ما تدري عنها!! يبي ياخذها عنده خلاص عشان يعرف شلون يربيها"
يلتفت الى والدتها في زاوية الغرفة تنتحب ..
يصمت ولا يتكلم ..

يحتد النقاش بين الكبار من جديد، يصرخ من يصرخ ويبكي من يبكي .. ويعرف من متن النقاش أنها في الغرفة المجاورة.
" تايم آوت مصيري هذه المرة !!" .. قال لنفسه.
ينسحب الى المطبخ، يملئ كأس الطفولة بماء بااااااارد .. ويتوارى عن الأنظار بخفة .. يفتح الباب عليها ..

ويغلقه وراءه ..

تعليقات

‏قال esTeKaNa
أحببت حنان الارتواء من الماء البارد في عز الحزن ومابين تشنجات الدموع
وما أحببت سلبيته !
كالعادة...انتي مبدعه
هل تفكرين بتجميع هذه القصص في كتيب تنشرينه ونفرح فيك واتشيحط بك :)؟

اشتقت لك!
اشلون الصغيرونه؟
قلبي عندها
طمنيني عليها عسى ربي يحفظها يارب
‏قال سبمبوت
(( هذا التعليق مسح بالخطأ من التدوينة .. أعتذر لكوربس برايد وأعيد نشر تعليقها ))

Copse Bride


صباح الخير

اخ...

الحب بدون انانيه..

بدون شرط..

مفقوود..

بس مو جنه غلطان على الاقل نصحها قبل لا تطيح الفاس بالراس..


بروح اشرب ماي بارد..

روعه..
‏قال سبمبوت
esTeKaNa

أحببت تواجدك عندي .. مثل بيتي لا يبتهج بتلك الروح الشفافة إلا عندما تتجمع فيه صديقاتي فنمرح ونتحدث ولا يوقفنا إلا تواجد ذكوري قسري على جلساتنا الخاصة.

أفكر كثيرا بفكرة الكتاب .. كيف لا وهي واحدة من احلامي المكتوبة على لوحة تطلعاتي والمعلقة على الجدار المقابل لنصفي في السرير .. أراها كل يوم وانام عليها كل ليلة. ولكني أفكر بالنشر أكثر، ربما في الصحف اليومية او المجلات المعروفة أولا ثم انتقل الى خطوة الكتاب ..

أشتاق لك دائما .. أشتاق الى مدونتك، وأزورها كفتاة صغيرة في محل حلوى ملونة، عندما المح شيئا جديدا فيها .. سأكون دائما هنا اذا احتجتي لأي شيء.

البنوتة زينة .. احوالها والحمدالله ممتازة. تتعدى تلك الصغيرة ازماتها بروح طاهرة ونفس مسامحة وذاكرة تنسى ولا تحقد. أتعلم منها الكثير واحاول قدر استطاعتي أن أقلدها أحيانا ..

أليس من الفروض ان تقلدني هي ؟؟

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

أنا عندي أرنبه ..

" غدّونة" تذهب للمدرسة !