طاووس !



لأول مرّة أقابل في حياتي شخصا لزجا!

سيولة الأشياء اللزجة مثل الزيوت الثقيلة عادة ما تبعث في نفسي اشمئزازا مختلفا، لهذا ربما انا لا أحب العسل كسبب آخر إضافي الى حلاوته التي لا تدع لي فرصة الاختيارات المتعددة. السوائل بالنسبة لي خفيفة ودافقة، مثل الماء او الزئبق لا يتطلبان وقتا للنزول او الصعود عند فورة الطبيعة.

لماذا لا أطيق وجود نقطة لزجة على اي مساحة من جسدي؟ نقطة من عصير البرتقال التي سقطت سهوا على يدي وجفّت دون أعلم لتخلف وراءها وجودا دبقا دفعني الى الجنون! عاجلته بشلالات ماء من الصنبور وفركت البقعة أكثر مما يتطلب الأمر لأكتشف أخيرا أنني في عراك غير سوّي مع البقع والسوائل!

هو بالضبط كان كذلك .. نظرة ثقيلة ينزلق تأثيرها ببطئ الدبق على وجهه ليصل الى فمه، الذي بدوره يرسم ابتسامة ليس لها لون! بلهاء تلك الإبتسامة الى ابعد الحدود أكاد اتساءل في قرارة نفسي إن كان فعلا يفقه حقيقة أنه يبتسم أم أنها حركة عشوائية تتمدد فيها ملامح وجهه عندما يلمح شيئا لا يستطيع السيطرة عليه.

أنا وبطني المنفوخ سبعة شهور من حمل مضني، في صباح اليوم حاصرتني ساقي ألما عندما تشنجت عضلتها ولم استطع افلاتها من قبضة المارد الذي يصهرها بين أصابعه! حاولت، ولكن الألم مسك في ساقي ولم يدعها تتنفس. حاولت أن اصل الى قدمي لأساعدها على التمدد والتحرك بعيدا عن ضربات الألم، ولكن عرين الطفل داخلي حال دون وصولي بسرعة الى ضفة جسدي الأخرى .. بعد ثوان .. عرفت سر السباحة في تيار الألم، وافلتُ ساقي من ألم مخاضها.
لم انم بعدها، فقمت الى دوش هادئ ونظرة سريعة الى النافذة خارج نطاق البيت الدافئ.

المكان هادئ، مظلم، مع بوادر مبدئية للشمس ان تفتح عيناها وتنير محيطي. كم أحب فترة انتقال حلم الليل الى صباح رائق، تلك التوليفة الرائعة من ضوء جديد وريح هانئة تأتي لنا من بعيد، من مكان مجهول، تحمل معها أشياء لا نراها ولكننا نحسها.
اتحسس ساقي، وأدعك مكان الألم الذي أيقضني من غفلة الليل الى تداعياتي الصباحية. اعتذر من غرفتي، سجادتي واللحاف الذي تركته باكرا جدا اليوم، بدون ان نتمرغ خمس دقائق اضافية ببعضنا عندما يرن المنبه.

أشعر وأنا ارتدي لباس اليوم الجديد في داخلي ان الله يخبئ لي مفاجأة! أصفف شعري وأدس حذائي .. وأخرج

النسمة الحائرة بين السماء والأرض لبست كنزة صوفية خفيفة فيها فراشات بنفسجية، ووضعت على رأسها ايشارب من الحرير الناعم يرفرف ويغمرني بسعادة الصباحات الشتوية الأولى. استنشق الهواء النادر، أعبّه داخل صدري وأحفظه لثوان تغمر صحارى الصيف القاحلة، ابتسم أنا وخطواتي لوحدي، أصل لسيارتي واضع الحاجيات لأدور حولها وأجلس بأمان.

من بعيد ألمح الطيف اللزج، ذاته الرجل الذي شارف على نهاية الستينيات امتهن النظرات الجائرة على أجساد البنات! يتفنن في اختيار المواقع التي تمكنه من النظر إليهن بينما هم يركبون او يترجلون من سيارات أهليهم. يعري أجسادهم الصغيرة، فترتسم على وجهه تلك النظرة الثقيلة والابتسامة الكريهة. رأيته في بعض المرّات يناديهن من بعيد، يلوّح لهن من علو نافذة شاهقة من بيته الذي يقابل بيوتنا. يبتسم لهم بتودد ويلقي عليهن تحايا الصباح.

قالت لي جارتي يوما أنه قدّم لطفلتها حلوى ودعاها الى "حوش " المنزل لتلعب مع الطاووس! أخذت ابنتها ذات الست سنوات الحلوى من يده وهربت. وعندما علمت الأم أعادت الحلوى الى الرجل وهددته إن تحدث مع ابنتها ثانية ستبلغ عنه الشرطة.

كيف لرجل بمثل سنّه ان يكون وحيدا يائسا مقيتا لدرجة انه يسعى لصحبة الأطفال بهذه الصورة الدنيئة. في البداية لم نكن نعرف عنه شيئا سوى كيانا هزيلا يرتدي ابتسامة غير مريحة. ينظر الى الفتيات الصغيرات ويطرد الصبية من حديقته الفارهة. حاول رجال الشارع أن يفتحوا معه ميثاق صداقة، ولكنه زجرهم وأخبرهم أنه لا يريد صداقة أحد!

أشمئز كلما صادفته صباحا يلقي عليّ تحية مصطنعة ويسألني إن كان مولودي بنتا او ولدا! ارد الإبتسامة وأتجاهل السؤال هربا الى سيارتي .. كل صباح أهرب من لزوجة الوجود العتيق القابع في مصباح صدئ مقابل بيتي.

اليوم كان مختلفا ..
ريشة الصباح أخف على قلبي، لم أتذكر وجوده مثل كل يوم فغدت مشية الممر اقصر وأجمل. أضع حاجياتي في المقعد الجانبي وألتف حول سيارتي ولا أراه يقف ينتظر الصغيرات في لباس المدرسة يقفزون الى سيارات اهلهم ويبتعدون. لم يلق عليّ تحية الصباح اليومية ولم يمطرني بأسئلة شخصية لا تعنيه.

احببت فكرة عدم وجوده .. ولكني لفضول جائر التفت نحو بوابة حديقته والممر القرميدي المؤدي الى باب المنزل. على رخام سُلم الإستقبال الأبيض بقع بنية داكنة! كلما امعنت النظر أكثر الى الزاوية المتوارية خلف سور الزرع كلما كبرت البقع وامتد السائل المندلق الى ما فوق الدرجات متوجها الى بوابة البيت الخشبية. قرصني قلبي وأحسست بشهقة غريبة من خوف وغموض.

اقترب اكثر .. طبعات يد وبصمات رجل .. والسائل البني الجاف .. كان ليلة البارحة .. بقع دم لزجة جدا!


تعليقات

‏قال may
الله ياخذ عمره.. انقمت قلبي من وصفه بدون ما اشوفه ..
ياربي... أحس بقمته..
مع إن هذا واقع ، وأشكال المريض هذا موجودة بكل مكان .. لكن ما أحب أسمع هذي الأخبار..
يارب تحفظنا وتحفظ بنياتنا وتصرف عنهم كل شر..

بعيدا عن محتوى النص..
أسلوبك القصصي حلو، تركيزك على وصف بعض الأحداث بدقة ، والبعض الآخر وصف مختصر ، بالإضافة لطريقة الانتقال بين الاحداث والأماكن بسلاسة وبلاغة..

روعة ..
‏قال Nikon 8
مات مقتول ؟
القصة فيها تكملة ؟؟
‏قال سبمبوت
حافية القدمين

هي مجرد قصة حبيبتي حافية :)


مي

كثيرا ما اصادف رجالا لزجين، واحد منهم كان يعيش جارا لجدتي اوحى لي بهذه القصة.
شكرا على الإطراء .. أكتب بلا حدود ولا رقابة فنية لا على القلم ولا على المحتوى وأتفاجأ احيانا ان الدوائر السردية تغلق نفسها دون تخطيط مني.


نايكون 8

لا تكملة للقسة .. هي هكذا انتهت. هناك شيء مات والقى دمائه اللزجة على الرخام البارد .. اترك من وكيف ومتى وماذا كله لخيال كل واحد من قارئاتي وقرائي.
‏قال chandal/danchal!!
اخذي كالسيوم وكملي القصة!
‏قال غير معرف…
كل الأشياء اللزجه تنتهي وتموت
ما إن ننساها وينتهي التفكير بها...

أنا لا أفكر أبدا بما (لا أحب ) عمداً...

لكني أحياناً اتمنى قتل أفكاري...




لهذه القصه مني باقة من نظرات الرضى
لهذا الصباح الجديد

كوني بخير
حبي
‏قال غير معرف…
رغم لزوجة موضوع القصة
إلا أن لها سيولة الماء العذب
. . و مثل ذاك الرجل البائس السخيف في فكره كثير
أسلوبك رائع جدا
لك التقدير
و شهادة التلميذ بحق معلمته
مجروحه
م ح م د
‏قال ARTFUL
يسلمو


شلون غدونه مع الغيره؟

:)
‏قال الحــــر
الصراحه لوهلة نسيت أنها قصة وحسيت أنه صج
ماشاء الله إبداع أخييتي

:)
دمتي بخير وتقبلي مروري
‏قال سبمبوت
جندل


ما فيني يا وخيتي .. ما فيني لو آخذ 60 حبة كاليسيوم!


سلة ميوة

عسى ربي يجعل أيامك مليئة بنظرات الرضى.



م ح م د

كم أنا بعيدة عن الأستذة التي تضعني في محيطها .. لازلت اعتبر نفسي مبتدئة في دنيا القصة لإنها لازالت تسيرني، لم احترف بعد قيادة قصتي. ولكن شكرا على كل حال.



آرتفل

تسلم عليكم غدونة .. لما الحين مو مستوعبة حقيقة القادم الجديد. وكل ما أسألها وين اختج تأشر على بطنها مو بطني!!!



الحر

أهلا وسهلا بك .. واسم الله عليّ من جيران لزجين :)
‏قال aL-NooR .
OMG
عفية عفية ..كملي !!
شصـــار..
و شلون ريولج ؟


*******************
‏قال غير معرف…
I saw you i saw you at al-Rayaon thursday at night with your husband with your daughter with your baby insid your belly i got a feeling it was you hope it was you were so cute with the black dress unlik what i imagined though! ur husd is like what i have imagined ! excatly! how he looks ! how he was just listening to you when you were talking..
‏قال سبمبوت
Yes dear it was me and my daughter and my husband and my little baby in my tummy :)
You should've came and say Hi :)

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

" غدّونة" تذهب للمدرسة !

أنا عندي أرنبه ..