رانيا تعري وجعها ..

هذه هي المقالات التي نشرت الى الآن في جريدة السياسة
سوف اضعها كل اسبوع في المدونة حيث أن موقع السياسة الإلكتروني لا ينشر المشاركات والتعليقات
*
*
*
*
على صفحة كاملة من جريدة القبس أجد صورة لوجه باسم، اسم كويتي وعنوان معقود بالسُكر! أعلم مسبقا ان الصفحة عادة ما تكون مخصصة لكتب تنشرها الصحيفة للقراء على شكل حلقات. ولأنني أم في طور النضوج العاطفي، هذه المرة كان الكتاب قريبا جدا من القلب، الوجع المنثور بمصداقية متناهية على السطور يكاد يضع اللبنة الأولى لفئة جديدة من كتب لم تكن يوما ميسرة على مجتمع احترف دفن الآلام في الظلام.
رانيا ناصر السعد أم كويتية لطفل أصيب بمرض سُكر الأطفال في السنة الخامسة من عمره، كان المصاب جلل والتجربة بكل مقتضياتها امتصت رحيق الأمل من الأم التي لم تعرف كيف يمكن لأي شكل من أشكال الحب أن يكون بهذا العنف. كتاب رانيا " صباحاتي سُكّر " يندرج تحت فئة كتب " التجارب الشخصية"، " السيرة الذاتية" او " التعرية النفسية". فليكن الكتاب كيفما يكون ولكنه باعتقادي المبادرة الأولى لامرأة كويتية تعرّي تجربه مضنية مرت بها لتلتهمها عيون القراء، تتعاطف وتتعلم منها. عادة ما تحمل تلك الكتب رسائل ضمنية واضحة، تُصَرح: " أنت لست وحدك، أنا أيضا كنت هناك في ذلك الوادي البعيد، اغرق بغربة الخيبة ولوعة الألم. أنا أيضا تسربت روحي من بين أقدامي، وزارتني في الخفاء أغرب الأفكار وأكثرها إيلاما، لا تخف .. أنت لست وحدك!"
لا اعلم ما الذي دفع رانيا لأن تكتب كتابا تصف فيه مشوارها الطويل مع رحلة شقاء وشفاء ابنها الوحيد، تجري صفا ومروى الأم الأبدي بين ممرات المستشفيات ودهاليز الغرف الباردة. من طبيب الى طبيب، منهم المحب العطوف ومنهم المتحجر الجامد، تائهة في دوامة الأخبار، خائرة القوى وضعيفة الأمل. ولكني عندما وضعت نفسي مكانها، وجدت أنها بحاجة لأن تكتب الكتاب، وتنشر التجربة أولا لنفسها. تتشكل عادة في المجتمعات الغربية مجموعات مساندة لأي شكل من أشكال العذاب الإنساني، يقولون أن المشاركة بالوجع تضعف التأثر فيه. نطلقه خارجنا ليتسرب بعيدا عنّا، للوجع روح تحب الانتشار، توزع نفسها على الناس، تأخذ وقتا لتعلمنا دروسا جليلة ثم نتعافى منها الى الأبد. نتصالح مع قدرنا بعدها فنجد سبلا لنحب الحياة من جديد.
لا اعلم من كتب السطر الأول في الصفحة التي نشر فيها الكتاب: "لنثر مكتبتنا العربية بتجاربنا التي تشبه تجارب الأمهات في المجتمع الغربي، اللواتي يكتبن بينما نحن نكتم ونتألم بصمت"، جملة رانيا أم القبس؟ إن كانت جملة رانيا، فكلنا آذان صاغية. ولكن السطر جاء بالنسبة لي وكأنه تبرير للقراء للسبب الذي قررت الصحيفة أن تنشر بعده كتابها! لا تحتاج الصحيفة أن تبرر أسباب الاختيار. الكتاب بحد ذاته تجربة شخصية جديرة بالاحترام، فيها تخرج المرأة من شرنقة عواطفها التي عادة ما تكون محشورة بين مفهوم جاحد للصبر على المصاب، وبين حاجة ملحة لتعاطف للآخرين. الكتاب رائع لأنه تجربة أولى ومن بعدها سيأتي الطوفان!
12-6-2010

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

أنا عندي أرنبه ..

" غدّونة" تذهب للمدرسة !