نتلاشى للأمام .. (10)

تحذير
يحتوي هذا الجزء على كلمات وتفاصيل صالحة فقط للكبار ..
لا أنصح القراءة لذوي الإحساس المرهف او الحساسية المفرطة اتجاه الجرأة في الطرح.




يتقد وجهه بحمرة ويتأسف منّي، أعود الى وعيي واستوعب أنني أرى للمرة الأولى في حياتي رجلا عاريا! لأول مرّة في حياتي أشم رائحة السائل الأبيض تزكم أنفي، كلورين ممزوج برائحة سائل التبييض الذي تستخدمه والدتي في غسل الملابس البيضاء! نفاذة الرائحة وقوية تخلف في الرأس ذكرى الاستنشاق الأول، لا تبرحني الرائحة حتى وأنا أخرج من المكان، كنت لا أزال اشعر أنها تلاحقني. استوعب القرب الذي نفى مسافة الأمان بيننا، واستوعب انني رطبة وملطخة! كيف حصل وأن فقدت الإحساس بالوقت والزمن والحركة؟ كيف حدث ونسيت أنني يجب ان لا افتح رجلاي وأن لا اسمح بتنورتي ان تنزلق شبرا عن جسدي؟ كيف سمحت له أن يتعرّى أمامي؟ متى سمحت له ان يتعرّى أمامي؟ لا أذكر ذلك الجزء من الثانية التي رأيت فيها جسده! لا أذكر خوفي، لا أستطيع اقتفاء أثر صدمتي، لا اقوى على انتشال نفسي من تلك الدوامة التي شعرت فيها للمرة الأولى أنني لا أملك نفسي.

أحمل نفسي الى الحمّام واغتسل، امسح البقايا عن فخذي، أجلس على الأرض وأسرق وقتا مستقطعا لنفسي. اخلع سروالي الداخلي واطلب منه ان يجري لسيارتي ويفتح حقيبة النادي الرياضي ويجلب لي بنطلوني القطني. يتحرك بلا نقاش ويأتيني بمطلبي بعد دقائق. ساد صمت بيننا، أحسست بالصمت يقطع شيء من حبل التواصل العاطفي الذي جمعنا. أحسست بمنشار في رأسي يقطع أفكاري ويبدد سحب الحب التي كانت تضلل على قلبي. في تلك اللحظة التي تلت المطر أحسست أنه أخذ شيئا منّي، ربما نظافتي، طهر روحي، براءة جسدي الأخضر الذي لازالت تنمو زهوره بلا ماء ولا مطر. خفت ان يعرف جسمي رائحة المطر فلا يرتوي إلا بها.

انكسرت الزجاجة التي كنت اضع فيها علاقتي العفيفة مع عمر، انكسرت ودوّى صوت ارتطامها في حنايا أنوثتي. تلك الغضبة التي غضبتها أصبحت تهددني بالذوبان في لذة الحب الذي ارتشفت جزءا من رحيقه. كيف تجرأت على الخط الأحمر، ذلك الذي يفصل بيني الآن وبيني في المستقبل. أحسست باللوعة وقتها لإنني استبقت الوقت وأكلت من التفاحة التي ستكون منفاي بعيدا عن عالمي، التفاحة التي أكلتها سندريلا فنامت في تابوتها الزجاجي الى الأبد. إن لم أجد معجزة مثل أمير سندريلا، فلن أفيق أبدا.

هل سيكون عمر أميري؟ أسأل نفسي بخلوتي..
تركت مسافة بيني وبينه، اتباعد عنه انتشل أشلائي أحمل غضبي من نفسي ومنه وابتعد. أتسلق شجرة عالية من هجر، وانظر له من عل. يبحث عني في كل مكان، في الفصول، في الجامعة. يبحث عني في أعين صديقاتي. يعصر هاتفه رغبة في التواصل معي، من شجرتي انظر له وابتسم في داخلي لإنه حتى بعدما رشنّي .. يريدني!


- هذي آنا ..
ينتفض من جلسة أصدقاء بعدما انقطع صوتي عنه احدى عشر يوما ..
- انتِ وين؟

أنا بقربك وبعيدة عن نفسي، أمامك ومتوارية عن مرآتي! لا ارى وجهي في انعكاسها بل أرى فتاة أخرى نضجت قليلا وأصبح نضوجها يخيف الفتاة الصغيرة ذات الضفيرتين التي تعيش داخلها. أنا على عتبات بيتك، أدور بسيارتي حول منزلك استنشق هواءك وأتذكر بيتنا الصغير "بيت الحمام السباحة" الذي كنّا نعيش داخله صديقين وحبيبين. عندما سألني وقتها أجبته أنني لا أعلم لم انقطعت عنه، ولكني في داخلي الدفين كنت أعلم أنني أخاف منه، أخاف منّي عليه وأخاف على الشيء الذي كان بيننا .. دافقا بالدفء نابضا بالألق أسميناه فيما بيننا علاقة حب.

اقتربنا بعد الابتعاد، وعدني أن لا يتكرر ما حدث إلا عندما نكبر قليلا وتنضج الخفقات في قلوبنا، وعدني أن لا يطالني بلمسة إلا إذا أرتدها، ولا يرغبني بقبلة إلا أن رغبتها. وعدني خوفا منه علي، انه لن يتعرّى مرة أخرى أمامي، ولن يقترب منّي حد الإلتحام، ولن يخضبني بالمطر. أحسست بالأمان وقتها، عمر يقول ويفعل، لا يتزحزح عن رقعة الذنب الذي وضعته عليها، زاوية العقاب الذي حصرته فيها. بدا لي طفلا صغيرا يتأدب بحبي، يطيعني ويسمع كلامي. كانت الأيام تعدو صافية الى ان بدأت أشعر بوخز في رأسي، غثيان في معدتي، قيء في حلقي، دوار، ونوم، سحابة كآبة وقرصة حيرة. أسابق صفحات الإنترنت وأكتب ما يحدث لي في كل صفحة طبية، كلها تعطيني النتائج ذاتها وتنصحني بشراء عصى بلاستيكية أتبول عليها وانتظر الخطوط.

ذات غد اشتريتها، ورششتها في حمّام الصيدلية بفيض روحي، الى أن ظهرت النتائج فسقطت على الأرض المتسخة لا يفصلني عنها إلا حرارة الجسد وبرودة البلاط. خرجت من الحمام وشبح الفجيعة يرقص فوق رأسي، ليفهم بائع الصيدلية مصيبتي وليدعو لي ذات الرجل بالستر !


0000



لم يقرب عثمان وسمية بعد العلقة المحترمة التي أكلها، كان منشغلا بجراحه يلعقها مثل قط جريح. كانت وسمية تخرج بسيارتها بعد موعد الجامعة وتتأخر على غير عادتها، لم يحاسبها أحد. عامر عادة مشغول بأعماله وعثمان لازال في دوامة الصدمة التي تركته عائم في عالمه الى حين. امتقع وجهي وتجمدت نظرة غبية على وجه عمتي عندما فجأة وفي أحد أمسيات صفائنا وجدناه على عتبة باب غرفتها.
- أنا رايح اشتري شي آكله، تبون أيب لكم معاي؟

نظرت وسمية لكيان ذلك الوحش الذي يضربها جاء ليتودد عند بابها، يجذبها بمبادرة العيش والملح ويرسم على جبينها ألف علامة استفهام.
- أنا أبي همبونغر ..
يلتفت لوسمية ويسألها : وانتِ
- لا مشكور مابي شي!

أذكر كيف كانت عيني وسمية تلحق طيف عثمان وهو يبتعد، لم تكن مرتاحة للمبادرة، لم تطلب شيئا لإنها لا تريد إطالة الموضوع معه. خافت وسمية منّي، أن افشي في لحظة طفولة سرّها. أن اقتنع بوجه العطف الذي بدأ عثمان يرتديه هذه الأيام فأجلستني على حجرها وأعطتني الوصايا التسع إلا واحدة ! لم أكن أفهم خوف وسمية لإنني وقتها لم أستوعب ما الذي كانت وسمية تفعله بغرفة عثمان. لم أستوعب أنها أخذت الأشرطة المدسوسة تحت الفراش ولم أعلم أنها زرعتهم شظايا دمار عند تلك البيوت. وقتها، كانت وصايا وسمية غامضة ومريبة عندما كانت تخبرني أن لا أحادث عثمان عن لعبنا في غرفته ليلا عندما يخرج، وأن لا أفتح سيرة الشرائط الصوتية التي كنّا نسمعها.


بعد فترة من إهمال عثمان لشئونها راقت عمتي، أخبرتني أنها ستشتري لي فستانا ورديا بطبقات وكشاكش كفستان الأميرات، وانها ستأخذني للصالون وستقنع والدتي ان اضع على شفتي أحمر شفاه. كان كل هذا مقدمات تلقمني إياها وسمية لتخبرني بصورة غير مباشرة أنها ستتزوج.


الرجل، تعرفت عليه عند باب الجامعة عندما اعترضت سيارتها سيارة أخرى! سدّت عليها الطريق ولم تستطع وسمية الحراك. غضبت وزفرت ونفخت واستندت بتنورتها الصيفية على مؤخرة سيارتها تنتظر الطالب اللامبالي. منذ شهور ووسمية تخفي سر حسين عن الجميع، عرفت بعدها أنها ألقت عليه شباكها لإن سيارته كانت جديدة، فخمة وفارهة وهو كان مفتونا بها.


بسرعة تمت الخطبة، وعندما صرّح والدي أنه سيسأل عن الرجل ثارت غضبتها وأخبرته أنها ستتزوجه لإنه سيخلصها من براثن عثمان وعامر. كانت وسمية في العشرين من عمرها. تريد ان تخرج من ضيق الحشر بين أخوين متسلطين وأم تساندهم بل وتدفعهم لتأديبها لإن الرجال قوامون على النساء! حسين وعدها بالحرية، فتح لها نافذة على الحياة وأخبرها أن الزوجة صديقة، وأنه يمتلك عقارات وشركة فقط .. هو ليس من الرجال الذين يمتلكون نساء!


صدَقت وسمية، وتزوجت حسين "الغني" بعدما دفع المهر كاملا وشبكة وسيارة، بقت وسمية في بيتنا شهر. كان حسين يزورها ولا يأخذها لأي مكان. كل ما أذكره انها كانت تحمل صينية مستديرة تضع في بطنها ما لذ وطاب، تدخلها غرفتها، تضعها أمام حسينها ومن ثم يقفل الباب على عمتي ولا أرى منها إلا طيفا ذائبا وهي تودع حسين عند باب طابقنا. كانت وسمية في شهر العسل، متأججة متوردة وراضية عن كل ما حولها ومن حولها.


بعد ثلاث أسابيع غادرت وسمية منزلنا. تركت لي كل ما اريده من جواريرها السحرية. أحمر شفاه وأحمر خدود وكحلة سوداء ورباطات الشعر الكبيرة المذهبة التي كانت تعجبني. تركت لي وسمية غرفتها خاوية إلا من فراشاتها المتدلية من الزوايا وذهبت لبيت زوجها لأفتقد أنا عمتي.



0000


انظر لها بإنعكاس مرآتها، منذ صغري وانا انظر لها تتجمل بإنعكاس مرآتها. منذ الأزل تعجبني تقاطيعها التي ورثت الكثير منها. شعرها الغزير لازال يحتفظ بكثافته شال حرير أسود يلف رأسها. خدودها لازالت مرتفعة ونافرة، شفاهها الصغيرة ومبسمها الرقيق ينمان عن أسنان حفرتهما يد الزمن وكستهما صفرة التدخين.
لا أعلم متى بدأت وسمية ترتشف سجائرها ولكنهم سرها الدفين الذي لازال محفوظا داخل دائرة ضيقة من صديقاتها وقريباتها وأنا. كان يوم الثلاثاء وكانت الساعة السادسة، تتجمل وسمية لمشوار مصيري الذي خط على دفتر مواعيد آسيا كمقابلة لمجلة فنية تمكنها من عرض ثرائها وبهرجة جمالها! لا اعرف ماذا تريد وسمية من آسيا، ولكني أخبرتها أنني ارفض فكرة ان يتزوجني عمر بدافع شفقة الستر. في حوارنا أخبرتها أن زواجنا الذي سيبنى على دافع ستر الفضيحة سيقتل الحب بيننا، سنتطلق بعد حين لإننا لم نملك وقتنا، لم ينضج حبنا ولم نصبر على أقدارنا!
- إن ما تزوجتيه قدرج راح يكون الإجهاض نورة .. تبين تذبحين ولدج؟

تخنقني الكلمة..
متى كان لي ولدا لأقتله؟ متى كان لي بطنا لأجهضه. ومتى كبرت لأتزوج؟
- أنا ما راح اجهض الجنين .. حتى لو عمر ما تزوجني!

صرخت وسمية في وجهي، اتهمتني بالجنون وبالطفولة وبالسذاجة وبالغباء والحقارة وكل الكلمات التي كانت روحها المحبة تسمح لها بإطلاقها ألغاما تفتت روحي. كانت تعلم ان الخبر إن سُمِع سيصم الآذان ويدوي في الأفق. سيشحذ رجال العائلة سكاكينهم وإن لم أنحر او أطعن، فإنني لا محالة سأموت بألف طريقة أخرى.
- انتي تعتقدين ان وأد البنات انتهى؟ فيه ألف طريقة يقدرون يدفنونج فيها تحت التراب. قالت وسمية.
سيسلب مستقبلي، وسألقى بقمامة المجتمع الى أن يأتيني فرج موت او فرج زوج! تشك وسمية في الاحتمال الأخير. حتى مع تطور المجتمع وتفتح عقول البشر، لازالت الفضيحة الأزلية تتعلق بتلك اللحظة التي فقدت فيها الفتاة وعيها وسلمت نفسها فريسة للشهوة! لا التفاصيل ولا الظروف تهم.
تصفع وسمية الباب بوجهي، تركب سيارتها .. وتنطلق.



0000



يتبع يوم غد ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

" غدّونة" تذهب للمدرسة !

أنا عندي أرنبه ..