نتلاشى للأمام .. (5)



اضع عطرا زهريا على ملابسي التي اخترتها من بين تل الاحتمالات، جبل المرفوض لازال قابعا على ارض غرفتي. كل هذه الملابس جربتها، ثم القيتها على الأرض لأسحب شيئا آخر من دولابي العامر. لابد وان ابدوا جميلة اليوم، نادرة صعبة ومستعصية. ملابسي يجب ان ترسل له أنني صاحبة ذوق راقي لا متكلف. ذوقي وجمالي جزء تلقائي من حياتي، اعتيادي في شخصيتي. أنا ألبس القطن الرخيص فيحتال فستان سندريلا بعد زيارة الجنية. بنطال اسود، قميص ابيض بوردة تلف الرقبة وجاكيت جلد اسود. كثيرا ما سمعت ان الجلد يغري الرجال. اسبح بعطري احمل حقيبتي واتوجه الى الكلية.

اليوم سأراه في عيادة التبرع بالدم، سأستلقي على الكرسي الجلدي وسيغرزون في ذراعي إبرة مرعبة، اتخيل الوضع وارتعب، ولكن كل هذا لا يهم. سيرى كم انا شجاعة، وعندما انزل من على الكرسي سأتصنع اغماءة رومانسية واحدة مثل الأفلام المصرية القديمة، حينها سينتفض البطل ويجري نحوي ليحملني .. ويحبني.
الطقس بارد، والممر الطويل بين مواقف السيارات وموقع العيادة يكاد لا ينتهي. اشعر بدغدغة في صدري ما ان اتخيل أنه هناك، يرحب بي ويسوقني الى الممرضات.

اقف عند باب العيادة، افتحه وادخل ..
- وأخيرا وصلتي .. الشباب يقولون راح تخاف وما تحضر.
اسمع صوته من ورائي فألتفت وابتسم ..
- تبي الصج أنا خايفة .. بس كلّه في سبيل العمل الخيري يهون
يلتفت الى اثنين من أصحابه ..
- سمعتو ..

نوبة جديدة من دغدغة، فراشات وجدت زهورها في صدري. فورة من شجاعة، أنوثة، خضوع، تمرد وفتنة كلها تقف داخلي تشهد عليه، أنني هنا جئت اليوم لأخطو نحو نبضة قلب خطوة وأقرب المسافات الطويلة التي بيننا. لم اصدق انه ترك كل شيء وأجلسني على الكرسي بنفسه. نادى الممرضة وجاءت لتغرس في اصبعي وخزة صغيرة تأخذ منها عينة من دمي لتتأكد من صلاحيته للتبرع.
- لازم يعرفون إن كان دمج نظيف وإلا ..
باستغراب أرد عليه ..
- وإلا ..؟!!
- وإلا لا سمح الله فيج فقر بالدم
- ما فيني إلا العافية..

جاءت نتائج الفحص الأولية لدمي جيدة، خافت الممرضة من نحول قامتي ولكنها غضت الطرف عن الموضوع عندما رأت أنني مصرّة على التبرع.
تسحب الإبرة "الجذع" كما سميتها لسماكتها دمي، ترتشفني وأحب فعلا بدوار خفيف. أحاول ان لا أشاهد الجذع مغروسا بذراعي، اتفاداه وانظر لعمر وهو يتحدث من زملاءه. أغمض عيني وأتخيل يوم زفافنا. ارتدي فستانا طويلا وعلى رأسي طرحة، امسك بيدي .. كُرة؟!

- ضغطي على هذه الكُرة ، فتحي ايدك وصكّيها عليها عشان ضخ الدم يستقر.

اومئ له برأسي، اغمض عيني واضغط على الكُرة بصورة متكررة، اشعر انني بسلام وأن حتى لو كانت النية من وراء التبرع رؤية "عمر" فأنا لازلت في خضم عمل خيري من الممكن ان ينقذ دمي إنسانا في حالة حرجة. انتهي من التبرع، اقف على قدماي .. وبلا مقدمات .. اسقط على الأرض!

يتبع يوم غد ..

تعليقات

‏قال الزين
بانتظار الغد

:)
‏قال |:| DUBAI |:|
ابتعدت عن فضاءك
و ها أنا أعود بشغف
سجلي متابعتي
: )

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

أنا عندي أرنبه ..

" غدّونة" تذهب للمدرسة !