( سلمــــــــــــــــانة ) 7



لا تدري لم هي الآن تحب هذا المكان، ربما لأنها أخيرا باتت ترى الوجوه التي تحمل ملامح الوطن! اللون الذي تركته يأفل من ذاكرتها. الابتسامة ذات الإشراقة العربية التي لم تر نورها منذ سنين. اللغة التي تحاكيها دون أن تتكلم، تذكرها بتاريخها، بمجريات حياتها .. بكل الحوارات التي أحبتها. كيف كبرت، ماذا قالت وماذا  قيل لها.

 أحسّت بالجوع يتسرّب الى معدتها، أخذت ما يهمُهّا وتوجهّت الى احد المطاعم الممتدة على احد ضفتي المطار الأنيق، قررت ماذا ستأكل وجلست تنتظر. تذكرت عندما كانت تجلس في أحد المطاعم المتوارية تنتظره، وتذكرت عندما قال لها ذات يوم بعيد:

-        عندما أتأخر لا تنتظري .. ابدئي في الأكل .. أنا لا أمانع!

توقفت عن كل شيء و نظرت طويلا إليه وهو يأكل طبق السلطة الذي وضع أمامه!

لماذا لا يفهم الرجال ابسط قوانين النساء؟ لماذا يجدون تلك الصعوبة البالغة في ان يعطوا امرأة تهمهم الأشياء التي تريد والمشاعر التي تتمنى؟ غريب أن يولد الرجال من كل انحاء العالم بمفهوم معوّق لمعنى الرجولة، يعتقدون انه كلما كان الرجل خشنا جافا مع امرأته .. كلما أحسّت بأنوثتها أكثر وكلمّا تأكد هو من انه رجل لا يقهر! لن تذلّه امرأة طالما كان مسيطرا على مشاعره اتجاهها! كثيرا ما تساءلت .. من اخترع هذا المفهوم؟؟ و من أوّل رجل صدقّه؟ ردّت:

-        لا يهمني الأكل .. تهمني الصحبة.

-        حقا؟

نظرت بعينيه:

-        أجل

يبتسم:

-        قلت لي مرّه انك تكرهين من يتأخر عن الموعد، وأنك لا تنتظرين قريباتك عندما تخرجن معا للغداء. من يتأخر يأكل وحيدا في النهاية بينما انتم تستمتعون بأطباق التحلية!

تخجل:

-        تذكر؟

-        طبعا .. اذكر كل ما تقولين!

-        لماذا؟

-        لماذا ماذا ؟

-        لماذا تذكر كل ما أقول وأحيانا لا تتذكر ماذا فعلت بأمسك؟

-        لا يهمني القول .. يهمني القائل!

    خجلت و ابتسمت:

-        بالضبط.

كانا هكذا يفهمان بعضهما، كانا يتحدثان معا قليلا ويصمتان كثيرا، جل ما بينهما لا يحتاج الى الكثير من الشرح والتفسير. كانا يجلسان على شاطئ البحر بلا حديث وعندما يتوادعان يحسّ كل واحد منهما انه فرغ من الكلام. مجرد المعيّة كانت منتهى الطموح. كانت بالفطرة تحبه. لم تقل له يوما " احبك " ولكنه كان يعلم وهي بالمقابل كانت تعرف انه .. يحبها. مشغول هو بمعترك الحياة وحروب إثبات الذات في موطن الـ "ينتمي" او لا "ينتمي"، و مشغولة هي بحروب من نوع آخر. لكنهما دائما ما يجدون وقتا عميقا لبعضهما .. يكونان معا .. و الباقي لا يهم!


قطع حنينها حديث شابين يجلسان في الطاولة المجاورة، كويتي عرفته من لونه، ولبناني عرفته من لسانه.

قفز الكويتي من كرسيه عندما دخل فوج القادمين من السفر، قفز واقفا ينتظر الى ان بانت فتاة هناك، تخطوا بخطوات متناسقة على أنغام حذاء زاهي عالي، حقيبة فارهة وملابس باهظة الثمن. كانت الفتاة تتأبط ذراع والدها بدلال، تتقافز نظراتها بحرص الى أركان القاعة وزوايا المطار الى ان التقته. التقت نظراتهما، تعانقت عينيهما فأطلقت ابتسامة تكاد لا ترى، وهو واقف هناك بحيرة بدت على محياه، يبتسم او لا يبتسم .. يلوّح من بعيد ام يغمس يده بجيبه لكي لا تفضحه لهفته عليها. سلّم والدها الحقائب للسائق الهندي الذي وقف بالانتظار ومشى مسرعا الى خارج المطار وهي تبطئ خطواتها لعلها تقتنص عينيه من جديد. التفت والدها وراءه .. انتظرها لتصل إليه .. مسك يدها بحنان و خرج من بوابة المطار.

-        اللبناني: وبعدين ؟؟

-        الكويتي: ولا قبلين!

-        اللبناني: لمَ لم تسلم عليها؟

-        الكويتي: لا استطيع.

-        اللبناني: لماذا؟

-        الكويتي: هذي الكويت صل على النبي ..

-        اللبناني: ما فهمت!

-        الكويتي: ما اقدر اسلم عليها وابوها معاها!!

-        هي مش تأربلك ؟

-        إي .. بس من بعيد

-        ايه ؟

-        انا ما اقدر اروح اسلم عليها جدام ابوها ..

-        لكان تأدر من ورا ابوها يعني؟؟

-        يعني

-        دخلك .. فسرللي شو صار هون! هي بتحبك و انت بتحبا .. و تأربلك و انت بتأربلا .. بس ما بتأدر تسلم عليها منشان ابوها معها .. بس تأدر تجيبا معك للغدا لبيت ماريان؟!

-        انا احبها و ابيها و احنا متفقين ان نتزوج انشاء الله في يوم من الايام .. العلاقات قبل الزواج في مجتمعنا  شوية عليها تحفظ حتى لو كانت بمنتهى البراءة. اذا ابوها عرف اني احبها وابيها وقاعد اكلمها بالتلفون ونطلع مع بعض عمره ما راح يرضى يزوجنا. عشان جذيه كل طلعاتنا بالسر. آخذها و نروح السينما، آخذها غدا في بيت مريان لإنها تدري انها مديرتي بالعمل ومسوية عزيمة حق كل الموظفين. اشوفها بالشهر مرّة .. مرتين .. لين الله يفرجها ونتزوج.

-        بس ليش كل هيدا؟ ليش ما بيكون كل شي بالنور؟

-        هذي عاداتنا وتقاليدنا

-        و انت راضي ؟؟

-        انا عندي الوضع ما فيه شيء .. بالعكس .. جذيه احنا قاعد نحافظ على بناتنا، والبنت الزينة تعرفها من تصرفاتها واذا كانت فعلا تسمع كلام اهلها وإلا لا! اذا كانت البنت فلتانة وين ما تبي تروح و ترد لا حسيب ولا رقيب .. لا أم تسأل و لا ابو يدري .. هذي إللي لا يحوشك. ما تدري اذا كلمت واحد من قبلك اكيد بتكلم واحد واهي معاك .. هذي إللي لا تقرّب منها.

-        بس نورة مش عم تسمع كلام اهلا .. هي عم تشوفك من ورا ظهر بيّا! عم تخدعه يعني!

-        ايه .. بس نورة عمرها ما كلمت ولا حبت قبلي .. انا الأول في حياتها وهي تبيني وتحبني عشان جذيه تطلع معاي. بعدين تدري إني اصير لها و احترم عايلتها عشان جذيه اهي واثقة ان عمري ما راح اضرها ولا اضر سمعتها.

-        يعني لمّا تعمل هيك معك ملاك! و لمّا تعمل نفس الشي مع غيرك .. شيطان!!

-        نورة عمرها ما راح تكون مع واحد غيري

-        و شو بيضمن لك انها ما كانت مع واحد قبلك؟

-        اقول لك تصيرلي .. اعرفها من صغرها!

-        اذا عم بتكدب على اهلا وتظهر معك .. ممكن انها عم تكدب عليك و تظهر مع واحد غيرك !

-        انت ليش قاعد تتكلم عنها جذيه؟ انت سامع شي من وراي؟

يضحك:

-        لا و الله يا خيّي ما سمعت .. انا ما شفت نورة إلا مرتين .. في بيت ماريان وهون .. كيف بدّي اسمع عنها شي؟

-        أنا الغلطان إللي يبتك معاي .. قلت لبناني ما عنده سوالف الشباب البايخة .. منو هذي؟ و وين تعرفعا؟ و كم صارلكم؟ و كأني شايفها مع واحد من الربع!! طلعت اسوء منهم!

-        يا خيّي انت شو insecure  !!

-        شنو يعني؟

-        انت شو بدّك من هالبنت؟ حب وزواج وحياة ما هيك؟؟ يضرب ماضيها لو شو ما كان! يضربوا كل إللي عم بيتكلموا عليها لو شو ما قالوا !! يضرب هالمجتمع إللي بيقيس مستوى البنت بكم واحد عرفت ومع مين كانت !! لو بحب بنت وأنا واثق انها بتحبني ما بيهمني شو عملت قبلي.

-        شلون يعني ؟ ما يهمك ان كانت عذراء وإلا لا؟

يضحك اللبناني عاليا:

-        شو هو انتَ عذراء ؟؟

-        لا .. بس انا ريّال !!

-        ريّال؟؟ و دخلك شو الفرق يا ريّال ؟؟ انو ما عندك دليل يثبت انك مش عذراء وهي عندا؟ دخلك وهدول إللي بيعملوا ترقيع كل 6 شهور؟؟

-        تبيّن البنت المجربه .. الريال الخبرة راح يعرف من تصرفاتها.

-        و اذا كانت احسن ممثلة بالدنيا ؟؟

-        الخبير راح يلاحظ ويعرف !!

-       وليش انت مسموح لك تكون خبير وهي مش مسموح لها تكون خبيرة !! خبير هبل هيدا اللي تارك اجمل متعة بالحياة وعم يركز على كيف عم تتصرف وهي عذرا او مش عذرا! ياما بنات عمرون ما جربوا ولا حدا لمسهون وبتكون عذريتهم مختفية من راسون من زمان .. العذرية يا عزيز هون ( مشيرا الى رأسه ) مش هون ( مشيرا الى بين فخذيه).

-        غسّان انتو مجتمعكم غير واحنا مجتمعنا غير .. عمرك ما راح تفهمني

-        و انت عمرك ما راح تفهم الحب.

ينهضان .. ترفع رأسها وتنظر اليهم الى حيث يذهبون، ينتبه الكويتي الى وجودها فيلتفت وينظر اليها بطرف عينيه. لازالت تتابعهم، يتقدم اللبناني ليمر من بين الكراسي، يصطدم بحقيبتها الملقاة على الأرض بجانبها. ينظر اليها مبتسما:

-        آسف

تبتسم له:

-        شكرا

-        على شو؟

-        على كل شيء !

-        يقطّب جبينه .. و يبتسم .. و يضمحل   



يتبع ...

تعليقات

‏قال ARTFUL
متابع (:

وناطر (:
‏قال غير معرف…
اللي بالازرق منو؟؟ سلمانه؟؟
‏قال غير معرف…
والله اللبناني قال كل الحقيقه ولكن الاخ اللي صاحب العادات والتقاليد مو فاهمن من الحياة شئ يا الحبيب الحب مو من العادات والتقاليد فليش تحب يسووووووو كل شئ بسر وشئ عادي عنده اما اذا كان بالعلن لا ما يصير عاداته ماتسمح اقول لو نفتك من العادات والتقاليد وندفنها مع اهلها اللي اخترعوها تري ابرك قال عادات قال ومشكوره سبمبوت علي هالموضوع الجميل الرائع وافكارج الرائعه

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

أنا عندي أرنبه ..

" غدّونة" تذهب للمدرسة !