زائر الليل ..



لم نكن على خلاف .. كانت الفكرة محاولة جيدة مني للخروج عن المألوف، القفز بعفوية لخارج الصندوق! او ربما العدو فوق حواجز الوقت والملل!  لم لا نجرب ما يخاف منه الأزواج الآخرين. عندما اقترحت عليه ان ننام بغرفتين منفصلتين، استصعب الأمر، رمقني بنظرة الـ " puppy" التي يجيدها جيدا :
-       لا ما راح تكسر خاطري .. تعبت من الشخير!
-       اوكي راح أعالج ..
زوجي من هؤلاء الرجال الطيبين، ربما لأنه احترف منذ زمن طويل وضع نفسه على الهامش والتفكير الصادق بمشاعر الآخرين، ما يتعبهم وما يحزنهم! عندما يصل لأجوبة يبدأ تلقائيا ببذل مجهود أصيل ليزيح عنهم الغمامة. هو من هؤلاء الرجال الذين إن تمكنوا من إزالة كرب أحدهم شعروا أنهم "سوبر هيروز" يساعدون الناس ويحمون العالم من الشرور!
-       لا ما ينفع تعالج .. صار لك سنين وأنت تجرب مخدّات طبية، وكشنات تقويم الرقبة، ولصقات الخشم، ماكو شي نفع معاك ..
-       حبيبتي .. والله تبين تخليني بروحي بالليل ؟ منو يدفيني؟
-       اسم الله عليك انت فيك حنية تدفي بلد ..
-       انزين .. والـــ !!

كأي رجل .. يجب أن يفكر بالجنس! لو لم يسألني هذا السؤال لتكونت غمامة رمادية من الحزن داخلي! حتى لو لم نكن معاريس جدد، حتى لو لم نعد نمارس حقنا لبعضنا إلا في أوقات نادرة، حتى لو عفا علينا الزمن ونحن في كنف بعضنا، حتى لو زالت شرارة الشغف من حياتنا، حتى بعد أربعة أطفال أكبرهم أصبحت في الجامعة .. كان يجب أن يخاف زوجي من فكرة أنه عندما يريد .. لن يجد!
-       لا تخاف .. كل ما ولهت علي تعال زورني، ترى أنا مو رايحة بيت ثاني!.. كاني خطوتين وتلقاني، تسحّب لين عندي مثل الحرامي وإنسدح بفراشي وسو كل إللي تبيه. المفاجآت حلوة وكل شيء يونّس بالبوق!
اعتقد ان تكنيك محاولة الإقناع الممزوجة بالتشويق والإثارة نجح في جعله يفكر بعلاقتنا الزوجية بطرق أخرى مختلفة. مثيرة فكرة ان لا يجدني بجانبه ليلا، خطيرة فكرة أن تهزه شهوته وتزيحه عنوه من الفراش فيأتي كالأيام الخوالي تسيره غريزة الصيد. الاندساس الليلي في فراشي، الشعور الفجائي بالجسد الناعم، أن يوقظني بقبلاته في منتصف الليل هكذا بلا مقدمات .. يأتي كالذكور الأوليين "سي السيد الحِمش" لأخذ حاجة، انتهاك أنثى بشغف الحب لا العنف .. ثم الذهاب بعيدا الى مرتعه الخاص .. عرينه البعيد.
-       وبعدين تخيلني وأنا مشتاقة لك .. أزورك بالليل وأصحّيك بولهي .. ما راح تستانس؟
اشرقت بوجهه ابتسامة حقيقية :
-       يعني بتصيرين زائر الليل؟
-       إي ..
يتنهد .. ينظر لما بعد بحر عيناي بورع البحّار الذي للتو أبصر ملامح شاطئ من بعيد ..
-       أحلى زائر ليل !!
عدّت الليلة الأولى على خير، لم نزر بعضنا، ربما لأنني كنت غارقة في نوم بلا شخير، وربما لأنه كان يعلم أنني في داخلي أريد أن استمتع مليا بليلتي الأولى في مملكتي الخاصة! نمت ملئ جفوني، في لحاف لا يسرقه أحد، على وسادة رششتها بعطري المفضل، بعدما قرأت كتابا رائقا لا تقطعني عنه موسيقى الراديو او صوت التلفاز الذي عادة لا ينام زوجي إلا على ثرثرته. قرأت قصصا حقيقية عن "الحب في زمن العبودية". على الرغم من انتهاك الروح والكرامة في ذلك الزمان، إلا أن الحب كان لابد أن يجد للنفوس المكسورة طريق مرصوفة بالشغف، فيعيد إليها رونقها ويجعلها تتنفس شبق الحياة. غفوت على حوارات العشق تينع من عمق القهر، وصحوت على وجه الـ "puppy" من جديد يخبرني أنه لم ينم جيدا .. قبلت جبينه وضممته حنانا دافقا الى صدري :
-       راح تتعود حبيبي .. المرة الأولى دايما صعبة
صنعت له إفطارا شهيا ذلك الصباح، عصرت له عصير البرتقال ونثرت فيه حبات الرماّن التي يحبها، أخبرته أنني اشتقت اليه وأننا يجب ان نخرج للغداء سويا كحبيبين جديدين يحكيان لبعضهما عن وجع مسافات البعد ولظى الفراق. ابتسم، ووافق! لا أعلم متى كانت المرّة الأخيرة التي حرصنا فيها على موافقة جدول أيامنا المزدحمة لكي نرى بعضنا في منتصف النهار تسلسلا شقيا من مكاتبنا الفارهة! لا اعلم متى آخر مرة أطعمني فيها لقمتي الأولى بيده، ومتى آخر مرّة قص لي من ديوان شعر قصيدة رآني بين أبياتها وألقاها على مسامعي في جلسة صفاء! في الحقيقية لم أتذكر أنه يوما كتب لي بنفسه شيئا كان يجول بخاطره وقرأه لي بيما تغرورق عيناي من روعة اللحظة ! كانت الأمسية ساحرة، أخذتني نجمة على ذراعها وطارت بي في سماء الليل، أمد يدي وأنا على متنها لألمس رداء السماء المخملي. في تلك الليلة .. ليلتنا الثانية بعد الانفصال .. اغتسل ..ارتدي بجامته وتعطّر، مشط شعره كرشدي اباظة واندس في فراشه، وقبل ان تغفو عينيه قام ووقف عند باب غرفتي وسألني إن كان سيأتيه اليوم .. زائر الليل ؟!   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

" غدّونة" تذهب للمدرسة !

أنا عندي أرنبه ..