بطاطا واحدة مقلية


مع الأيام اعتادت ان تنام بجانب زوجها، اعتقدت عندما كانت "بنت" أنها لن تستطيع تحمل جسد ثان يشاركها فراشها. نومها الخفيف المرهف يجعلها دوما في حالة عناد مع كل شيء، إما أنا او صوت المنبه! إما أنا او صوت الريح تلعب مع شبّاكها لعبة الكراسي! إما أنا او صوت صرير السرير الحديدي الذي يإن ما ان تقرر أن تغيّر رقصة نومها!
عندما تزوجت، خافت أن لا تنام. خافت ان يلتهم الجسد الجديد داخل نطاق حيزها بواقي النوم الذي يزورها ما ان تتأكد انها والغرفة والمنبة والريح والسرير في سمفونية متناغمة مع الصمت. وجاء اليوم، وجاء معه جسد رجل دافئ جعلها بغرابة كيميائية بحته تنام اسرع واعمق من ذي قبل. هو يشخر بعض الأحيان ويوقضها من سباتها، ولكنها كانت تدفعه بيدها بعض المرات أو ترفسه برجله تارة أخرى فيغيّر وضع جسده وينام بلا شخير.
ارتعبت عندما قدمت شخصية ثاثة لتشاركها حدود نومها، عندما ولدت طفلتها الصغيرة عرفت من جمع النساء حولها في المستشفى أنها لن تنام بعد الآن.
"لماذا يكررون عليّ هذا؟ الا يعرفون انني اجزع عندما لا أنام؟" ولكنها بعد فترة من توطد علاقة النوم بينها وبين ابنتها توصلت الى حل في ان تنام الصغيرة في الغرفة المجاورة مع المربية! ففي النهاية هي ام عاملة وتحتاج قسطها الليلي من الراحة، ولم يقبل الزوج إلا عندما وضع كاميرات مراقبة خفية في غرفة الطفلة وتأكد بنفسه ان المربية لا بأس بها.
بعد سنة ونصف سافرت المربية في زيارتها الدورية الى بلدها البعيد، وعاد السرير ليضم ثلاث اجساد متفاوتة الحجم ومختلفة تماما في عادات الرقاد. تواطئ العناد القديم مع ابنتها فأضحت بالكاد تنام لإن الجسد الصغير يتحرك باستمرار، يدور حول نفسه، يزحف الى الأمام والى الخلف ولا ينفك من رفس كل الحدود التي تطوّق الحيز الدافئ من حوله.
اليوم الأول .. الساعة العاشرة مساءا
استقيضت ابنتها معلنة نوبة قصيرة من البكاء، لا تريد حليب، لا تريد غناء ولا تريد هدهدة، فقط تريد ان تكمل نوبة غريبة من البكاء الخفيف والمتقطع، سكتت عندما وضعف في فمها مصاصة الأطفال ونامت.
الساعة الثانية عشرة والنصف
استيقضت ابنتها، شربت حليب دافئ ونامت.
في الساعة الثانية وخمس دقائق
استيقضت تبكي، ربتت على كتفها .. هدءت .. ونامت.
في الساعة الرابعة تماما
استيقضت الطفلة اثر نوبة سعال حادّة، اخذتها الى صدرها، ربتت على ظهرها، شربتها ماء صافيا، ضمتها الى صدرها، فهدأت ونامت.
في الساعة السادسة وخمس واربعون دقيقة
استيقضت الطفلة تبكي، اعطتها حليب جديد، شربت قليلا ثم قررت ان صباحها بدأ فلم ترد النوم من جديد. فاستيقضت معها في يوم طويل لم يسبقه ليل ولا نوم.
لم تكن الأيام اللاحقة افضل من اليوم الأول، فاضرابات نوم الطفلة التي قال لها الجميع بمن فيهم الدكتور انها طبيعية قلبت مفهوم الوقت عندها رأسا على عقب. صغيرتها تنام وتستيقض مرات ومرات اثناء الليل، زوجها نائم بجانب الاثنتين ولا يهزّه البكاء، وهي لا تنام.
اليوم السابع، اليوم الثامن، اليوم التاسع، اضحت الأيام بالنسبة لها ارقاما بلا ليالي.
تناقش مع الزوج موضوع نومه الثقيل بصوت ملؤه الغضب. كانت تحسده على نعمة النوم الذي لا يلكزه بكاء الأطفال بأعواد خشب. فيتندر أنهما فعلا يكملان بعضهما، فلو كانا ينامان بنفس درجة العمق لما سمع أحد نداءات الطفلة في منتصف الليل!
تمنّت لو يستيقض مرّة ويأخذ عنها الحمل لتنام، ولكنهما توصلا لحل تقاضت في النهاية عن عدم تكافؤه: هي تباشر الطفلة طوال الليل بينما يأخذ هو الطفلة في الصباح ما ان يستيقض لتعوض هي ما فاتها من سبات الليل، لمَ لا، وكليهما اخذ اجازة من العمل ليتعاونا على الإعتناء بالصغيرة الى ان ترجع المربية.
وفعلا حدث، كانت تنام زخّات متقطعة من الليل تعتصرها حسرة العتمة، ثم يستيقض هو ليأخذ الطفلة بعيدا عندما يطل النهار فتنام لأربع او خمس ساعات بلا توقف.
في ذلك الصباح عندما أخذ زوجها الطفلة، كانت بمنهى الغضب. تزفر هواءا حارا على الوسادة لإن في الليلة الفائتة لم تر حتى وجه الغفوات المتقطعة. قررت ابنتها انها تريد ان تلعب، وعندما قررت الاستسلام للنوم اعترتها نوبات من الم الغازات التي غزت بطنها الصغير، فأضحت تأن باستمرار وتتحرك بلا هوادة. كانت ترقد بجانبها وتتساءل " متى تفهم أن ماما لا تنام عندما تتحرك"؟
استيقضت الطفلة، وأخذها ابيها بعيدا الى غرفة المعيشة يقضون معا جزءا كبيرا من النهار بينما هي تنام. افاقت قبل موعدها وخرجت لهم، كانا الإثنين مستلقيان على الأريكة الطويلة نائمان، هو على ظهره وهي بجانبه، أميرته الصغيرة، يضمها الى صدره وينامان بانسجام دافئ.
نظرت اليهما، وتمنّت لو تنام صغيرتها يوما هكذا في حضنها، كان شكليهما بمنتهى الروعة والجمال. ما السر الذي في حضنه لتبقى هناك بلا حراك؟ ماذا ينقصها هي فلا تقدر أن تنيم طفلتها على صدرها! لماذا لياليهما متعبة شاقة عندما تكونان هما الاثنتين معا ولا ثالث؟ اين انقطع حبل النوم في اوقات السواد؟
تركتهما نائمان وذهبت تستقبل يومها، اغتسلت وغيّرت ملابسها، تجملت واعدّت وجبة خفيفة لأسرتها الصغيرة. سمعت صوته يداعب الطفلة من بعيد وتضحك، ابتسمت لإنها تعشق صوت ضحكاتها الطريفة.
شمّا الرائحة وقدما اليها في المطبخ، ضمتها ابنتها ومسحت بيدها الصغيرة على شعرها، طفلتها في غاية الحنان عندما لا يجمعهما الظلام. جلسا على الطاولة فأخذت الطفلة تأكل، تغمس يدها في صحنها وتأخذ جزرة مسلوقة، قطعة خبز تغمسها في الجبنة الذائبة، تشرب من كوب العصير بعد ان تغمس الجزرة داخلة. عادة ما تترك لطفلتها حرية ترتيب مراحل وجباتها، فلتخلط ما تريد، ففي النهاية الأكل متعة.
أخذت الصغيرة قطعة بطاطس مقلية، وضعتها بفهما ولحست الملح من عليها، علكت الجزء الأعلى وتركته مدلّى، غمستها بعصيرها ثم مدّت يدها لوالدها بالبطاطس ليأكلها من يدها، ابتسم، قطّب جبينه ورفض، اعاد يدها قرب فمها وقال لها ان تأكلها هي. بدى على وجه الصغيرة خيبة صغيرة!
نظرت لوالدتها، مدّت يدها بنفس قطعة البطاطس المعفرّة، وضعتها قرب فم امها، ابتسمت الأم وبلا تردد اكلت كل ما بيدها: " همممم لذيذ .. شكرا حبيبتي".
ابتسمت الطفلة .. وقامت من مكانها لتجلس في حضن امها ..

تعليقات

‏قال Unknown
أسلوب مميز و نهاية غير متوقعة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امرأة تحب النساء !

" غدّونة" تذهب للمدرسة !

أنا عندي أرنبه ..